بعد سنوات قليلة من استقلال المغرب، اختار مجموعة من الشباب بولندا لدراسة السينما وذلك في المدرسة الوطنية للسينما والتلفزيون والمسرح ليون شيلر بـ "لودز" وهُم محمد بن سودة، وحميد بن سعيد، وعبد الكريم الدرقاوي، ومصطفى الدرقاوي، وعبد الله الإدريسي، وكريم إدريس، وعبد القادر لقطع.
في الوقت نفسه، ذهب العديد من الشباب الأجانب، ذكورا وإناثا، إلى بولندا لدراسة الصحافة والهندسة والكيمياء والعلوم الاجتماعية وغيرها من المواد العلمية والفنية. ولكن قبل أن يشرعوا في دراسة تخصصاتهم عليهم في البدء دراسة اللغة والثقافة البولندية لمدة عام كامل في استيديوم جيزيكا بولسكيغو في لودز، والذي تم إطلاق عليه تعريفا لطيفا وهو "برج بابل".
لماذا يأتي كثير من الشباب إلى بولندا؟ إنهم يأتون من فيتنام ومنغوليا وكوبا وتشيلي والجزائر وتونس والكاميرون.
كانت الدول التي حصلت على استقلالها حديثًا قد سعت إلى تكوين نخبها الشابة، وكانت ترسلهم في الغالب إلى أوروبا الغربية، ووقعت اتفاقيات تعاون مع تلك الأقطار لهذا الغرض.
اشتهرت السينما البولندية ومعها مدرسة الفيلم في لودز (التي كان يُدرس بها المخرج الشهير أندريه فايدا) تجاوزت حدود بلدها عبر العالم، لكن الطلبة المغاربة الذين كانوا يرغبون دراسة السينما يختارون الذهاب بشكل خاص إلى IDHEC في باريس. وسيختار البعض الآخر وِجهات أخرى كروسيا (محمد أبو الوقار) أو الولايات المتحدة (محمد العبازي) أو بلجيكا (أحمد المعنوني).
وفي إطار صراع المنظومة الشيوعية ضد "العدو الإمبريالي" حينها، والتي كانت بولندا جزء منها، شجعت طلبة "العالم الثالث" القدوم إلى مدارسها وجامعاتها من خلال تقديم لهم منح الدراسية. وبالتالي كان هذا السياق مواتٍ لهؤلاء السينمائيين الشباب الطموحين الذين كانت بلدانهم تعرف اضطرابات سياسية التي سادت سنوات الاستقلال الأولى، فكان اختيارهم الذهاب إلى شرق أوروبا دليلاً على التزامهم السياسي (غالبًا ما يكونون قريبين من الأحزاب الماركسية اللينينية). والرغبة في النأي بأنفسهم عن تأثير القوة الاستعمارية التي نشأوا في ظلها.
اختار عبد الكريم الدرقاوي دراسة الصورة في مدرسة لودز للسينما بينما فضل الآخرون الإخراج. تلقوا في البداية دروسا مكثفة في تاريخ الفن، والفلسفة، وتحليل الأفلام، والأدب، وسيكتشفون إنتاجات سينمائية من جميع أنحاء العالم: الكلاسيكيات الأوروبية، والسينما التجريبية، والسينما البرازيلية الجديدة، وسينما الحقيقة الكيبيكية، والسينما النضالية، إلخ.
سيتعين عليهم خلال دراستهم إخراج أربعة أفلام تسمى "دراسات": فيلمان قصيران، روائي (صامت) وفيلم وثائقي، ثم فيلم متوسط الطول، وأخيراً فيلم دبلوم. يتم التصوير فقط في فيلم 35 ملم. للتحقق من صحة دراستهم، كما يتعين عليهم أيضًا كتابة بحث سينمائي.
من "منفاهم البولندي"، استفاد السينمائيون المغاربة الذين يدرسون في مدرسة لودز للسينما أيضًا من تكوين صلب، وحرية سياسية نسبية (بعيدًا عن الدولة الاستبدادية والقمعية في عهد الحسن الثاني)، وابتعاد مسافة عن واقعهم، ولكن أيضًا اكتساب تجربة عن "العالم" في شموليته، واضطراباته السياسية، في قلب أوروبا الشرقية، محاطون بطلبة من جميع أنحاء العالم وخاصة من آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية.